تحكّم “الشركات” ببنزين اللبنانيين يستمر والحلّ بيد “الدولة اللبنانية”
مخطىء من يظنّ أن أزمة البنزين منفصلة عن السياسة، ففي لبنان لا يمكن الفصل بين السياسة وكل باقي الملفات، ومشتبه من يعتقد أن أزمة البنزين تتعلق فقط بسرعة فتح الإعتمادات من قبل مصرف لبنان لاستيراد المادة، فالبنزين دخل اللعبة الهادفة إلى زيادة الضغط على اللبنانيين، فبات التوجه نحو محطة المحروقات “كابوساً”، لن ينتهي سوى بتدخّل الدولة.
الجنوب بلا بنزين
يعاني الجنوب اللبناني اكثر من غيره من غياب مادة البنزين، إذ تُشير مصادر مطّلعة إلى أن الشركات تمعن في حرمان الجنوب من هذه المادة الحيوية، فتصل بالتوزيع إلى حدود صيدا فقط، ما أدى لرفع خراطيم 90 بالمئة من المحطات الجنوبية، دون أن ننسى طوابير الإنتظار أمام المحطات التي لا تزال تملك القليل لتبيعه.
تلفت المصادر عبر “أحوال” إلى أن الكميات المستوردة من البنزين انخفضت قليلاً، ولكن حرمان مناطق معيّنة بشكل كامل يطرح علامات استفهام حول الأسباب، وهذا الحرمان لم يعد محصوراً بأسبوع من هنا وأسبوع من هناك، بل أصبح وضعاً مستمراً، مشيرة إلى أن الأزمة عادت لتظهر بوضوح بعد أن قاربت الكمية التي خصصها الجيش من مخزونه بطلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، للجنوب، على الإنتهاء.
ترى مصادر سياسية جنوبية أن “أزمة البنزين المفتعلة في الجنوب سببها سياسي، بهدف زيادة الضغط على أهل الجنوب بشكل خاص، ومسبّبو هذه الأزمة يتذرعون حيناً بعدم وجود الكميات الكافية لكل المناطق، وفي أحيان أخرى، بعدم فتح الإعتمادات من مصرف لبنان بالسرعة المطلوبة”، مشيرة إلى أن الحقيقة هي في مكان آخر، إذ تشعر بعض الشركات بالقلق من تزويد محطات الجنوب بالنزين خوفاً من العقوبات الأميركية بالمستقبل.
الحلّ بيد الدولة
تعلم المصادر أن الحلّ لن يكون بإقناع الشركات بتزويد الجنوب بالبنزين، ولا إقناعهم بوقف التخزين وتسليم كل المناطق حاجتها من البنزين لذلك هي تعتبر أن الحلّ هو بيد الدولة اللبنانية، فكيف ذلك.
لا يعاني الجنوب اليوم من أزمة مازوت، فالأفران تعمل، والكهرباء عبر المولدات مؤمّنة لكل بلدة، والمستشفيات لم ترفع الصوت بسبب انقطاع مادة المازوت لديها، والسبب ببساطة هو قيام الدولة عبر منشآت النفط في الزهراني بتأمين مادة المازوت لمحتاجيها، وتكشف المصادر أن المنشآت التي سلّمت السوق المحلي هذا الأسبوع 8 مليون ليتر من المازوت، وانقذت الجنوب من العتمة، قادرة، بحال توافر القرار، إلى جانب منشآت النفط في طرابلس، أن تمنع حرمان اللبنانيين من مادة البنزين.
وتضيف المصادر: “تشكّل منشآت النفط هيئة ناظمة لحركة سوق المحروقات، وعندما تتدخّل الدولة يصبح الإحتكار أصعب، والتخزين أقل، ويمكنها عبر المشاركة بـ 15 بالمئة فقط من حجم السوق أن تتدخل بشكل مباشر لسدّ العجز الذي قد يحصل، وهذا ما قامت به منذ فترة، ومن ثم توقّفت”.
عندما شاركت الدولة في استيراد البنزين كانت النتيجة إيجابية، ولكن هذا الامر لم يستمر لأسباب منها أن هناك من قال أنه لا يجب على المنشآت أن تبيع مواداً يتم تهريبها إلى الخارج، وهناك من شدّد على أن تلتزم المنشآت باستيراد وتخزين المخزون الإستراتيجي للجيش والقوى الامنية، وهو ما حصل، كذلك كان لمصرف لبنان رأيه، إذ ألزم المنشآت بالإختيار بين خيارين، إما استمرارها بشراء نفس كميات المازوت، أو شراء نصف كمية المازوت، ومادة البنزين بما يتبقّى من اعتمادات، فكان التوجه للخيار الاول بسبب أهمية المازوت، ولكن اليوم يمكن لكل هذا أن يتغيّر بقرار شجاع من الدولة.
إذاً، تشدّد المصادر على أن الحلّ الواضح هو بيد الدولة لكي تدخل شريكاً في السوق، تُعيد التوازن إليه كلّما اهتزّ، وتفك الأزمات، فهل تقوم بهذا الواجب، أم تُترك الساحة للمساهمين في إذلال المواطنين؟